سؤال يتبادر إلى ذهني في كل مرة ازور فيها احدى الكليات التقنية، فالمحاضر العماني عملة نادرة في هذه الكليات، فعلى سبيل المثال وليس الحصر فإن عدد المحاضرين العمانيين في أقسام تقنية المعلومات لا يتعدى 31 محاضرا متوزعين على الكليات السبع، حيث يشكل العمانييون نسبة 7.4% من إجمالي عدد محاضري تقنية المعلومات البالغ عددهم 421 متوزعين على السبع كليات، وهذه النسبة نوعا ما خجولة اذا ما قورنت بنسبة المحاضرين العمانيين في قسم علوم الحاسب الالي (كون هذا القسم هو الاقرب لتقنية المعلومات) في جامعة السلطان قابوس والتي تبلغ 32%، فيا ترى ما هي اسباب تدني نسبة المحاضرين العمانيين؟ وما هي الاثار المترتبة على تدني هذه النسبة؟
تعتبر منظومة الكليات التقنية (الكليات السبع) الاكبر من حيث عدد الطلاب المقبولين والمقيدين في مؤسسات التعليم العالي، حيث بلغ عدد الطلاب المقبولين في هذه الكليات 10500 طالبا وطالبة في العام الاكاديمي 2012/2013، اي 35% من اجمالي عدد الطلاب المقبولين في مؤسسات العليم العالي الحكومية والخاصة، في حين يبلغ عدد المقيديين في هذه الكليات اكثر من 32 ألف طالبا وطالبة، أي اكثر من ضعف عدد الطلاب الدارسين في جامعة السلطان قابوس، وبالرغم من هذا فإن ما يصرف على الطالب في الكليات التقنية لا يصل إلى خمس ما يصرف على الطالب في جامعة السلطان قابوس، وأقل من ثلث ما يصرف على الطالب في كليات العلوم التطبيقية التابعة لوزارة التعليم العالي.
لقد أنعكس هذا التقشف الحكومي في ادارة الكليات التقنية على برامج التطوير و التدريب للموظفين العمانيين، سؤاء الاكاديميين أو الاداريين، حيث أن نسبة عدد المحاضرين العمانيين في الكليات التقنية لا تتعدى 12% من اجمالي عدد المحاضرين.
أن التصاريح الرسمية للمسؤولين تشير إلى أن عدد العمانيين الذين تم تدريبهم في برنامج إعداد المحاضرين العمانيين في الوزارة بلغ 286 في نهاية العام 2012، اي بلغ متوسط عدد المتدربين سنويا في هذا البرنامج 35 محاضرا منذ بداية البرنامج في العام 2004، وهذا العدد نوعا ما خجول اذا ما قورن بالزيادة السنوية في اعداد المحاضرين الاجانب في هذه الكليات.
ان المطلع على آلية أستقطاب المحاضرين الاجانب في الكليات التقنية، يخرج بإستنتاج وحيد، وهو أن نوعية المحاضرين الذين تتعاقد معهم الوزارة لاترقى وطموحات الذين يعوولون على هذه الكليات في اعداد كادر مؤهل ومدرب لخوض غمار الحياة العملية، فأغلبية من توظفهم الكليات هم من الجنسيات الهندية، والباكستانية، والفلبينية، وتتم عملية التوظبيف عن طريق لجان تقوم بإختيار المرشحين عن طريق مقابلات شخصية للمترشحين في هذه الدول، حيث تقابل هذه اللجان أكثر من 400 مرشح في فترة لا تتعدى 5 أيام، أي يتم التوظيف بناء على مقابلة لا تتعدى في كثير من الاحيان أكثر من 10 دقائق، وللأسف لا توجد آلية لإختبار قدرات هؤلاء المحاضرين علميا، مع العلم أن الخبرة الفنية لا تشترط على المترشحين للتقدم، اي كل ما يطلب من المترشح خبرة اكاديمية مدتها 4 سنوات على الاقل،مع العلم ان غالبية هؤلاء هم خريجي جامعات وكليات غير معترف في وزارة التعليم العالي.
في المقابل فإن على المترشح لبرنامج إعداد المحاضرين العمانيين ان يكون حاصل على تقدير جيد جدا على اقل تقدير، او خبرة عملية في مجال العمل تصل إلى اربع سنوات، مع اشتراط ان تكون الشهادة من مؤسسة أكاديمية معترف بها، وعلى المترشح اجتياز الاختبار التحريري، والمقالبة الشخصية كي ينتقل للمرحلة الثانية.
في المرحلة الثانية يتم إلحاق المترشح ببرنامج تدريبي تصل مدته إلى سنتين، يستلم خلالها المتدرب 300 ريال عماني، يقضي الستة اشهر الاولى منها في إحدى الكليات التقنية، ثم يتم ابتعاث المرشح لنيل درجة الماجستير في ارقى جامعات المملكة المتحدة، ثم يعود ليتدرب في احدى مؤسسات القطاع الخاص في مجال التخصص، ثم بعدها يعين كمحاضر في الكليات التقنية، طبعا خلال هذه المدة يضل راتب المتدرب 300 ريال، وفي حال اراد المتدرب الخروج من البرنامج، يشترط عليه دفع كل المبالغ التي صرفت عليه خلال فترة التدريب وذلك حسب عقد يوقعه المترشح قبل بداية التدريب، واحد شروط هذا العقد هو ان يعمل كمحاضر في الكليات التقنية لمدة 5 اعوام بعد إكمال الماجستير.
اذا ما قورنت آلية توظيف المحاضر العماني بالمحاضر الاجنبي، يجد تناقضا غريبا في فكر الوزارة، فصعوبة آلية استقطاب المحاضر العماني يقابلها تراخي في آلية توظيف المحاضر الاجنبي، فصعوبة آلية توظيف المحاضرين، مع ضعف المخصصات خلال فترة التدريب احد العوائق التي تجعل الكثير يعيد التفكير في مسألة دخول هذا البرنامج، لماذا لا يتم إعطاء المترشح في فترة التدريب الدرجة المستحقة للحاصل على شهادة البكلريوس في الخدمة المدنية (السادسة) اسوة بنظام كليات العلوم التطبيقية؟ ولماذا شرط الخمس سنوات ايضا؟ لماذا لا يتم ايجاد طريقة أفضل للحفاظ على المحاضر العماني بعد توظيفة مثل أيجاد وضع خطة لتطوير المحاضر العماني كايفاده لموتمرات في مجال التخصص، وتشجيعه وتدريبه على البحث العلمي، وابتعاثة لنيل الدكتوراة في خطة زمنية واضحة؟
أن كثرة عدد المحاضرين الاجانب في الكليات التقنية له انعكاس سلبي على سير العملية التعليمية في الكليات التقنية، فالاسف الكثير من الطلاب لا يحترمون الاجنبي وذلك احيانا لضعف شخصية هذا المحاضر الاجنبي، وفي كثير من الاحيان لا يستمر المحاضر اكثر من سنة في الكلية وذلك لعدم مقدرته التأقلم في بيئة الكلية، كذلك يتحتم الامر على على المسؤولين في الوزارة انهاء خدمات بعض المحاضرين، كون هؤلاء غير مؤهلين علميا للكليات، كل هذا يؤدي إلى نوع من انعدام الاستقرار في طريقة سير العمل بالكليات.
ايضا انعدام او قلة العمانيين الاكاديميين في الكليات التقنية يؤدي إلى غياب القدوة الحسنة والمثال الذي ينظر إليه الطالب، وهذا يفقد الطالب الدافعية للعطاء والاستمرار، فوجود العماني يؤدي إلى خلق بيئة عمل متوازنة وصحية في الكليات.
الجميع يتفق على الدور الذي بإمكان الكليات التقنية أن تلعبه في النهوض بمستوى التعليم التقني في السلطنة، ولكن هذا لن يتأتى في غياب الاهتمام بالمحاضر العماني في هذه الكليات، وفي حال استمرارية فشل الوزارة في تحسين آلية أستقطاب المحاضرين العمانيين إلى هذه الكليات.
دمتم بود …….